نظرة المعلم السلبية اتجاه مهنة التعليم و تخلف العملية التعليمية في الوطن العرب
لقد كشف تقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الالكسو” أن الدول العربية متأخرة كثيراً في مستوى التعليم، فقد بلغ معدل الأمية في الوطن العربي نسبة 27.1% مقارنة بـ 16% في العالم لعام 2015م. (النشرة الإحصائية للمرصد العربي للتربية،2016) ونظراً للدور الكبير للمعلم في المنظومة التعليمية وهو من اهم اسباب نجاحها أو فشلها لدوره المحوري في العملية التعليمية، أصبح دوره الميسر والمشرف والمربي والقدوة، ولهذا يجب علينا الوقوف على السلبيات والمشاكل التي تعترض مهنته ورسالته، فهل نظره المعلم السلبية اتجاه مهنته من أسباب تخلف العملية التعليمية في الوطن العربي؟.
إن مهنة المعلم هي مهنة الأنبياء وهي مهنة جليلة وذات رسالة نبيلة فهي ليس كبقية المهن يمكن لأي شخص العمل بها بل هي تحتاج إلى أشخاص يحترمون مهنتهم وينظرون إليها نظرة إيجابية تملؤها الفخر والعزة، فالنجاح الحقيقي للمعلم يبدأ بمعرفة النفس وتقدير الذات ومن هنا يبدأ الإبداع، فالمعلم لدية رسالة شريفة وعمل عظيم يتمثل بتحويل الطلاب من أميين إلى متعلمين. ولكن للأسف الشديد في السنوات الأخيرة تغيرت نظره المعلم إلى مهنته لتصبح مجرد وظيفة أو حرفة يبحث الإنسان من ورائها عن الرزق، فاهتزت صورت المعلم أمام ذاته وأمام المجتمع، مما جعل العديد من المعلمين ينسحبون من هذه المهنة ويتحولون إلى مهن أخرى ذات دخل مادي أو مكانه عالية عند المجتمع يستطيعون من خلالها تحقيق الذات، وخصوصا بغياب الوازع الديني المنبثق من الفكر التربوي الإسلامي لدى المعلمين، فالإسلام رفع من شأن الذات وشجع على الإبداع في العمل من خلال وازع داخلي يضبط النفس، فقد قال الرسول (صلى) “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” (الألباني،1995) وقد بينت دراسة أبو نمر (2018) أن الارتقاء بالجوانب الشخصية والدينية ينعكس إيجابيا على العملية التعليمية من جميع النواحي.
ومن الأسباب أيضا التي كونت هذه الصورة السلبية للمعلمين نحو مهنتهم عدم تحقق الرضى الوظيفي للمعلمين من حيث المستوى الاقتصادي والاجتماعي مما يؤثر سلبا على الإبداع والتفاني في العمل و على العملية التعليمية ككل، فقد بينت دراسة عقيل وعليمات (2014) انه يوجد علاقة ارتباطيه قوية بين الرضى الوظيفي وكل من الرواتب والحوافز والمكانة الاجتماعية للمعلمين. والملاحظ أيضاً أن نظامنا التعليمي في الوطن العربي شهد عزوف الطلبة المتفوقين في المدارس عن الالتحاق بالتخصصات التربوية في الجامعات واقتصر الالتحاق على الطلبة ذوي المعدلات المتدنية نسبياً وذلك لأسباب تتعلق بالعرض والطلب على مهنة التعليم والنظرة السلبية من المجتمع لهذه المهنة. فقد بينت دراسة نصر (2000) أن العوامل المهنية المتعلقة بالعرض والطلب على مهنة التعليم احتلت الدرجة الأولى في درجة التأثير على قرار الطلبة لدراسة تخصص “معلم مجال اللغة العربية”. ومن أسباب إحباط المعلم وكبح جماحه عدم تطبيق العدالة التنظيمية (وهي عدالة المسؤول مع الموظف على المستويين الوظيفي والإنساني) في المؤسسات التعليمية، وهذا بدورة يؤثر على إحساس المعلم بارتباطه بأهداف المؤسسات التعليمية وقيمها(الولاء التنظيمي). ويتضح هذا جليا في دراسة الخالدي وسلامة (2014) حيث كشفت هذه الدراسة عن وجود علاقة إيجابية بين العدالة التنظيمية لدى مديري المدارس الثانوية في محافظة المفرق والولاء التنظيمي لدى معلميهم.
ولكي نعالج هذا الخلل في نظرة المعلم إلى مهنته يجب الإشارة إلى أنه كما على المعلم مهمة عظيمة و رسالة نبيلة يقوم بها له العديد من والحقوق والمتطلبات وتواجهه العديد من الصعوبات التي يجب مساعدته في مواجهتها، فلا يمكن أن نطلب من المعلم تحمل ضغوط العمل ومشاقه وفي نفس الوقت يتقاضى راتباً زهيداَ، بل يجب رفع مستوى المعلم الاقتصادي ليليق برسالة هذه المهنة ولسد احتياجات المعلمين وتوفير الحياه الكريمة لهم، فقد أوصت دراسة الثبيتي والعنزي (2014) بضرورة الارتقاء بالوضع الاقتصادي للمعلم لمساعدته للقيام بدورة بشكل فعال. هذا من الجانب المادي أما من الجانب المعنوي فيجب علينا أن نعزز مكانة المعلم في المجتمع ونساعده في تحقيق ذاته من خلال تطبيق سياسات تعليمية تحفظ مكانة المعلم وتحقق العدالة التنظيمية في المؤسسات التعليمية من قبل الإداريين وهذا يزيد الولاء عند المعلم اتجاه مهنة التعليم.(الخالدي،سلامة،2014) ومن الحلول أيضا وضع معايير يتم من خلالها انتقاء الطلبة المميزين من ذوي التحصيل العالي لشغل هذه المهنة وهذا ما أوصت به دراسة المجيدل والشريع (2012) ومن ثم الاختيار على أساس الأخلاق الحسنة والجوانب الشخصية المنبثقة من الفكر التربوي الإسلامي والتي تنمي الضمير المهني للمعلم، وتعزيز هذه الأخلاق الحسنة من خلال الدورات الخاصة في إعداد المعلمين. (أبو نمر ، ; 2008الزعبي، 2018) ولا نغفل هنا أهمية إشراك المعلمين في صنع القرارات التربوية وخصوصا في ما يتعلق بمهنته وهذا الأمر يزيد من ارتباط المعلم بأهداف المؤسسات التعليمية والعمل مع قادة المجتمع والشخصيات الاجتماعية والدينية والسياسية لتعديل صورة مهنة التعليم أمام المجتمع. (المجيدل، الشريع،2012)
وفي النهاية لا بد من التأكيد على أن مهنة المعلم في الوطن العربي تعاني العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت على نظرة المجتمع إلى هذه المهنة فأصبحت من المهن غير المرغوبة في المجتمع وهذا بدورة زعزع صوره المعلم وثقته أمام نفسه فتحول المعلم من صاحب رسالة وهمة إلى موظف بسيط يبحث عن الرزق وهذا بدورة جعل من الطلاب المميزين من ذوي المعدلات المرتفعة يبتعدون عن هذه المهنة لا بل انسحب العديد من المعلمين من هذه المهنة إلى مهن أخرى بسبب سوء ظروفها. فلا سبيل لنا إلا بإنصاف المعلم وإعطائه حقوقه ومساعدته في استرداد هيبته وذاته من خلال تكاتف الجهود من قبل أصحاب القرار السياسي والشخصيات الاجتماعية والدينية ببث الصورة الإيجابية عن المعلم أمام المجتمع.